جيانلويجي دوناروما

انشغلت كل المواقع الرياضية في الفترة الماضية بالحديث عن قلة وفاء الحارس الميلاني اليافع دوناروما بعد إعلان نيته في عدم التجديد، في حركة قوبلت بالإستهجان من جميع المتابعين سواء كانوا ميلانيستا أم لا.

الجماهير تبحث دائماً في كرة القدم عن قصص رومانسية ومؤثرة، فهي بالنسبة لهم ولنا أكثر من مجرد لعبة، انها محاكاة للأحلام والتحدي، السعي وراء نشوة الإنتصار ورفع اسم البلدة أو المدينة التي يمثلها الفريق، الرغبة في هزيمة الفقر والظروف، وأفضل طريقة للتعبير عن الشغف و نزعة الولاء في النفس البشرية. كل الجماهير تفتخر بولاء لاعبي فريقها وانحدارهم من مدرسة النادي، وكل الجماهير تحتفظ بذاكرة الصمود في فترات إنكسار ناديها كنوع من الولاء النادر الذي يعطي بعداً أكبر للعبة.

لذلك ومع ما يعانيه ميلان من تخبط وضياع في هذه الفترة، كان اكتشاف دوناروما وبزوغ موهبته هدية سماوية لاتقدر بثمن، وجوده وكونه ابن النادي ومرشحاً لأن يكون أفضل حارس في العالم وجوهرة يسعى النادي للبناء عليها كل هذا جعل خسارته أكبر بكثير من مجرد خسارة فتى موهوب رفض البقاء في صفوف الفريق، بل هي خيبة أمل أكثر من كونها مجرد خسارة: خيبة مشروع كان يتطلع لبنائه لبنة بلبنة من روح النادي وبأضلع أبنائه، خيبة ميلاد مستقبل جديد للميلان يترافق مع ميلاد هذه الموهبة الشابة وسطوع نجمها، خيبة خسارة قصة نبيلة كان يمكن أن يُحكى عنها لأجيال، قصة الشاب الموهوب الذي رفض كل الإغراءات من أجل أن ينهض ويعانق المجد رفقة ناديه، كل هذه الأحلام والأفكار الرومانسية اصطدمت بقسوة الواقع الصلب الجلف الخالي من نثار الأحلام الوردية: بكل بساطة دوناروما رفض أن يكون بطل هذه القصة الحالمة؛ وفضل أن يعيش الواقع القريب بدل الخيال الواعد.

DCX1RM-XgAMnqiD

تصفح الموقع الرسمي للدوري السعودي، وتابع أهم الأخبار، وأخبار كريستيانو رونالدو باللغة الإنجليزية

نعم يعترف ويقر الجميع أن من حقه مثله مثل أي شاب واعد موهوب أن يطمح بالخروج للقمة بأسرع وقت وينتقل لفريق آخر، لايزال في مقتبل عمره ويستطيع أن يبدأ فوراً بفتح عداد الجوائز والألقاب، ولم الإنتظار؟ إنه ليس بطلاً من زمان آخر، ثم من يضمن له نجاح مشروع الميلان؟ كما أنه لايزال في الثامنة عشر فقط وانتقاله بهذا العمر لن يمنع أن يكون أسطورة ناديه الجديد حاله حال العديد من الأساطير التي لم تكمل مسيرتها في ناديها الأم، أمثال راموس ودي خيا ونوير وحتى بوفون نفسه، بقائه في قمة عطائه لعشرة أعوام في نادي مثل ريال مدريد أو حتى مانشستر يونايتد يحقق خلالهم كل الألقاب سَتُنسي العالم كله قصة ميلان وسيؤرخ فيها قصة حب جديدة مع نادي جديد دون الحاجة لإنتظار عامل الوقت والمخاطرة المحفوفة بالمشروع الجديد. أجل هي نظرية براغماتية غير جذابة لكنها واقعية، والأسوء أنها كانت اختيار هذا الشاب في النهاية.

المشكلة الأخرى أن معظم قصص الوفاء التي يتغنى بها عشاق الكرة والتي تلون نظرتهم لرياضتهم المفضلة لم تكن عبارة عن وفاء محض، بل وفاء مدفوع ثمنه. عقود رعاية بأسعار خيالية تدفعها الأندية لنجومها من أجل الحفاظ عليهم والسيطرة على طموحهم ومطالبهم، تجديد عقود كل بضعة أشهر لضمان أن يكون النجم راضياً ومسروراً ولايفكر بخوض تحدٍ جديد، سلطة وسيطرة مطلقة من هؤلاء النجوم لأنهم فضلوا البقاء في زمن رحل فيه الجميع، ولم يلم أحد بوغبا الذي رحل بالمجان عن فريقه الأم ولم يقبل العودة إليه سوى بصفقة هي الأغلى في العالم ولم يتنازل ولو قليلاً لمجرد أن يعود ويكون نجم مشروع عودة فريقه للفمة من جديد، بل حتى توتي لم يتوانى أن يصرح عن ندمه لرفضه الإنتقال لريال مدريد عندها أتته الفرصة!

لنا الخيال ولهم الواقع، وإذا رغبوا ببيعنا هذه الأوهام فكل قصة لها سعرها الباهظ، وإذا لم يدفع هذه الفاتورة اللاعب نفسه بتنازلاته وصبره من أجل فريقه، سيدفعها النادي الذي يكافئ هذا الوفاء بما يستحقه في حال كان يمتلك في خزائنه الثمن الكافي، وإذا لم يمتلك، ولم توجد في قلب النجم مايكفي من الوفاء لتعويض هذا النقص؛ ستكون النهاية قاسية لأحلام الجمهور الوفي كنهاية قصة هذا الشاب الإيطالي الذي حلم الكثيرون أن يكون قصة أسطورة وفاء جديدة.

قناة سبورت 360عربية على يوتيوب

الأكثر مشاهدة