ليونيل ميسي - برشلونة - الدوري الإسباني

سبورت 360 – إذا كان للفلاسفة دوراً في التاريخ فهو إيجاد معنى للأشياء أو وصف الأمور التي لا يسهل فهمها عندما تتشابك مع الأخرى ومن تلك الأمور العسيرة على الفهم هو لماذا يحصل لاعب كرة القدم على هذا الاهتمام فضلاً عن الأموال الضخمة التي يتقاضاها.

وفي العالم الحديث كانت وسائل الترفيه دائماً ما تحتل مكانة رفيعة في الاسثتمارات كونها تجد جماهير ومريدين لها، يحاولون إضفاء معنى للأشياء عبر نجمهم الفني أو الرياضي أو الإعلامي اللامع.

ذلك المعنى يتحقق غالباً بالإنجازات والانتصارات، لكن في حالة الرياضيين الكبار مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو وغيرهما، لا يتعلق الأمر فقط بالنتيجة، بل للمعنى الذي يضيفه للمتابع وهو الفرحة، يفرح كل متابع لهم برقم جديد حققه أو بإنجاز وعمل انتهى منه بنجاح، يعتبر المشجع أن إنجاز الرياضي المفضل له هو إنجاز له شخصياً لما دفعه من قلبه من حب وشغف.

في مسألة الـ 500 مليون .. ميسي لديه قلب أيضاً

ربما يلوموني البعض -ليس فقط المتابعين ولكن المقربين مني- على استخدام تلك الكلمات الكبيرة والمصطلحات، لكن ما أعرفه بعد سنوات طويلة من تغطية الأحداث أن آخر ما يهم المتابع هو راتب هذا اللاعب أو ذاك فبالنسبة له هي مجرد أرقام، والانتقادات الصاخبة حول أجور ومداخيل اللاعبين لا تجد أي صدى إلا عندما يخفق الرياضي في إنجاز مهمته، بالنسبة للجمهور فالحاقدين فقط هو من ينتقدون نجمه اللامع في السماء والذي لا تصل له يد، ويرون تلك الكلمات الكبيرة كمصطلحات وفقط.

تصفح الموقع الرسمي للدوري السعودي، وتابع أهم الأخبار، وأخبار كريستيانو رونالدو باللغة الإنجليزية


أدب كرة القدم ..مقال أسبوعي يربط عالم الرياضة وكرة القدم بلغة الأدب والفنون


كتبت قبل سنوات نصاً رصدت به ما يفصل بين ميسي وبين العظمة الكاملة، وذكرت تلك الجوانب التجارية التي انخرط بها والتي تجعله مختلفاً عن نجوم العصور الجميلة التي نراها كعوالم مثالية، لكني نسيت أن ميسي مثل غيره يخضع لمنظومة شركات ريادة الأعمال والتسويق والرعاة المهووسين بعظمة ذلك النجم الذي تطارده العيون في كل مكان.

نعم في الحقيقة لم يختر ميسي هذا النظام علاوة على أنه لم يخلقه ،ولم يطلب تلك الأرقام الفلكية، لكنه وجد الشركات التي تستثمر اسمه والطامحين في امتلاك موهبته أو بعضاً من ضيائه، لقد وجد فقط من يدفع.

ميسي - برشلونة - الدوري الإسباني

ميسي – برشلونة – الدوري الإسباني

وجد البرغوث نفسه مطالباً بتكرار أمجاد مارادونا وعاش ضغطاً لا يُحتمل مع عدة أجيال من المنتخب الأرجنتيني، هو ضغط لم يتحمله لسماته الشخصية الخاصة ، رغم روعته التي لا يشكك بها أحد فقد فشل أحياناً في الوصول لأهدافه مع برشلونة والأرجنتين، رغم مهاراته التي جعلته ملكاً للحكايات الخرافية والخوارق التي يتلذذ الأدباء في وصفها، والتي جعلته يبدو عاجزاً عن الانفعال عندما خسرت الأرجنتين كأس العالم 2014 أمام ألمانيا فظهر بملامح جامدة ودون ردود فعل، فحتى الخارقين للعادة عليهم أن يقبلون بالخسارة.

حافظ ليو دوماً على ردود فعله الهادئة والتي لا يحبذها الأشخاص الذين يعشقون الشخصيات الانفعالية مثلي، الذين يحبون سماع الروك والحياة الصاخبة في المدرجات، لكن ما أن وجد ليو نفسه في مواجهة الكيان الذي رعاه وهو برشلونة ممثلاً في بارتوميو والذي منعه من الخروج بالبند الموجود في عقده، كان عليه أن يطلق العنان لمشاعره لتظهر في اللقاءات الصحفية والشاشات وفي التصريحات.

“اهتم بروحك يا ديدييه.. ليس جسدك فقط” هكذا تحدث أحد أبطال مسرحيات عصر شكسبير والتي كان يصف بها الخواء الروحي لبعض شخصياته، صحيح أن بعض الرجال يجنون الملايين دون أن يحققوا معجزات تغير تاريخ البشرية، ولكنهم كذلك قد يعانوا من أمور لا تصل إلى التفكير النمطي، مثل فقدان الدوافع، الرغبة أو عدم الشعور بالأهمية والتأثير.

ليو ، ملكاً لا يحكُم

برشلونة ضد غرناطة - كأس ملك إسبانيا

برشلونة ضد غرناطة – كأس ملك إسبانيا

لكن كل تلك الأحداث الأخيرة أظهرت جزءاً جديداً من شخصية البطل الأرجنتيني، الغير عابىء بالأرقام أو بالمنافسة والمقارنة مع لاعبين آخرين، اللاعب الذي يهتم بمنظومة لعب الفريق، يركض ويصنع ويحتفل دون أن يكون مهتماً أدنى اهتمام بأن يكون هو الرجل الذي تحتضنه الكاميرات، في رتبة الحكام فإن الدوق كان أقل رتبة من الملك، لكنه يظل شخصاً نبيلاً، فريداً.

ميسي يذكرني بالملك لودفيج الثاني الذي حكم بافاريا في القرن التاسع عشر لما يقرب من 22 عاماً، ورغم روعة مملكته وثرواته التي لا تعد ولا تحصى وجد في السنوات الأخيرة من حكمه برغبة في أن يخلده التاريخ، فعمل يائساً على جلب الشعراء والموسيقيين والممثلين المسرحيين الذي قبل باستغلالهم له لأجل أن يصنع أعمالاً فنية يظل البعض يقرنه بها إلى الأبد، ونسى أن قلق أغلب الملوك يتجاوز ذلك، منها أن لا يقم أحد باغتياله مثلاً.

بحث لودفيج الثاني عن فاجنر وعن شخصياته المسرحية ليجد من أحدهم صديقاً ورفيقاً، كما يبحث ميسي عن رفيقاً له في أحلامه الكروية الأخيرة بعد أن رحل الواحد وراء الآخر إلى باريس، إلى مدريد وإلى آسيا وبلاد أخرى بعيدة، لقد صار ملكاً على العرش ولكنه لا يحكم، وهو نفس القرار الذي اتخذه مستشاري الدولة بحق لودفيج الثاني، هكذا يتغير التاريخ، فالحياة لا تستمر فقط بلونيها الأبيض والأسود الواضحين فقط.

قناة سبورت 360عربية على يوتيوب

الأكثر مشاهدة