لن يكون الكلاسيكو الذي جمع بين ريال مدريد وبرشلونة ضمن الدوري الاسباني يوم الأول من مارس عام 2020 كغيره من لقاءات الكلاسيكو الكبرى التي حضرها كاتب هذه السطور . وذلك لأنها المرة الأولى التي تتاح لي فيها متابعة هذا اللقاء في مدينة مدريد ومن أرضية الملعب العملاق السانتياجو بيرنابيو الذي يمكن وصفه بمعبد كرة القدم حول العالم.
الكلاسيكو مباراة عظيمة سواء حضرتها على التلفاز أو من أرضية الملعب. لكن المتابعة على الطبيعة تسمح للإنسان برؤية العديد من الأمور المخفية واختبار عدد من المشاعر التي لا يمكن فهمها إلا بالتواجد في قلب الحدث.
في يوم الكلاسيكو تستنفر أسبانيا بأكملها خصوصاً مدينتا مدريد وبرشلونة . حيث يبدأ التحضير للقاء من الصباح الباكر عبر تحديد مكان الحضور ، هل في مقهى أم تجمع رياضي أو منزل أحد الأصدقاء. حيث تستعد المقاهي للحدث بأفضل طريقة ممكنة عبر عروض خاصة وشاشات عملاقة . أما الملعب فأمره محسوم منذ زمن بعيد لأن التذاكر بكل الدرجات قد نفذت منذ زمن بعيد ومن حصل على بطاقة هو من المحظوظين. الاستعدادات طبعاً تشمل اللباس من قمصان ووشاح وغيرها من الأدوات . والحديث كل الحدث عن اللقاء ولا شيء آخر . باختصار المدينتان تتنفسان الكلاسيكو رياضياً واقتصادياً على حد سواء. ويكفي أن نرى هذا العدد من المشجعين القادمين من كل أقطار العالم لنفهم الأثر الاقتصادي لهذا اللقاء
جمهور البيرنابيو (Getty Images)
تصفح الموقع الرسمي للدوري السعودي، وتابع أهم الأخبار، وأخبار كريستيانو رونالدو باللغة الإنجليزية
كمية الحماس التي تراها لدى المشجعين المتجهين إلى الملعب والذي يأتي بعضهم من أقاصي الأرض لمتابعة اللقاء منقطعة النظير وتصنف الحماسة من وجهة نظري من الأعلى إلى الأدنى كالتالي.
1- حماسة المشجعين في الملعب
2- حماسة المشجعين في المقاهي حول الملعب
3- حماسة المشجعين في الأمكنة البعيدة عن الملعب سواء أكان مقهى أم تلفاز.
التنظيم الهائل يشعرك أيضاً بأنك أمام حدث على المستوى القومي ، وإخلاء ملعب فيه أكثر من 81 الف متفرج خلال أقل من نصف ساعة بعد إنتهاء اللقاء يشعرك أيضاً بقوة هذا التنظيم.
جمهور ريال مدريد يرفع أعلاماً وصوراً (Getty Images)
داخل الملعب قصة جميلة أخرى تستحق أن تحكى ، الجمهور الكبير والمتحمس والجاهز لتصيد أية غلطة للاعبي الخصم يملا المكان حماسة وتشجيعاً . ,احد أهم ركائز الحماس في الملعب هو المذيع الداخلي الذي يعمل بشكل ملفت وطريف . فعلى سبيل المثال عندما يذكر لاعبي برشلونة فهو يذكر اللاعب بالاسم واللقب والرقم ثم يصمت لثواني ليمنح لجمهور الريال فرصة التصفير على لاعبي البرشا . أما عندما يأتي دور الريال فكل ما يقوم به المذيع هو ذكر الرقم وأسم اللاعب الأول حيث يرد جمهور الريال بأكمله بصوت جهوري بلقب اللاعب سواء أكان راموس أم فاران أم غيرهم.
الاختلاف الجوهري بين التلفاز والحقيقة هو على أرضية الملعب بشكل أساسي . فبداية عندما ترى لاعبي الفريقين تكتشف أن مهارة حتى المنبوذين منهم والجالسين على مقاعد الاحتياط هي أعلى مما نراه بكثير على التلفاز . السرعة والتقنية والعمل الفني والمهارات تجعلك تفهم لماذا هم الأفضل في العالم وتجعلك تشعر بأن ما يقومون به هو أمر سهل للغاية ويمكن لأي كان أن يقوم به لكن ذلك غير صحيح ..هم الأفضل لذلك تبدو كرة القدم معهم لعبة بسيطة .
ريال مدريد وبرشلونة (Getty Images)
وضعية بعض اللاعبين قد تكون مختلفة تماماً عما نعرفه أو عما نعتقد أننا نعرفه . فكريم بنزيمة مثلاً كان يتلقى التحية في الملعب بعد كل فرصة يضيعها لأن الجهد الذي يبذله كان كبيراً والجمهور يثق به . أما على التلفاز فهو حتماً لم يتلق سوى السخرية والشتائم خصوصاً من جمهورنا العربي. والحقيقة أن فينيسوس كان المصب الأكبر للانتقادات من الجماهير خصوصاً قلة خبرته في التحرك لكن المزاج تعدل بشكل كبير بعد الهدف.
كريم بنزيمة
ميسي هو مثال آخر على اختلاف وضعية اللاعب في الملعب عنها في التلفاز ، فالجميع يسأل أين هو ميسي ولماذا لم يتألق في هذا اللقاء حيث احتاجه رفاقه . السبب حقيقة أن ليو كان ملاحقاً كظله من كاسيميرو طوال اللقاء بغية منع الكرة من الوصول له . وفي حال وصلت ينضم لاعبان آخران لكاسيميرو لمحاصرة ميسي وذلك بحسب مكانه في الملعب.عملية إخراج الأرجنتيني من اللقاء استلزمت ثلاثة لاعبين نظريا وتسعة عملياً ( تتغير الأسماء بحسب الموقع) مع تركيز كبير ولياقة طوال اللقاء ومع ذلك كاد أن يسجل. ما يتعرض له ميسي في كل لقاء أمر لا يصدق.
ميسي وكاسيميرو (Getty Images)
نقطة أخرى لفتتني هي في تصدي حارس برشلونة تيرشتيجن لكرة إيسكو ، في الحقيقة كان تصدياً رائعاً على شاشة التلفاز لكنه في الحقيقة أروع من ذلك بكثير. تسديدة إيسكو هائلة جاءت بعد محاولة ذكية وقد أطلقها في الزاوية التسعين.أما تيرشتيجن فطار بطريقة لا تصدق وفي توقيت مناسب جداً وبطريقة لا تصدق على الإطلاق . من رأى التسديدة من زاويتي يقول من أنه من المستحيل أن يتصدى أي حارس لهذه الكرة ، لكن شتيجن قام بالإعجاز.
حارس برشلونة تيرشتيغن (Getty Images)
توني كروس هو مثال حي آخر على أن الحقيقة مختلفة عن التلفاز . فهو الهادئ والعقل المفكر لكن الحقيقة أنه سريع جداً ، ليس في الحركة بل اتخاذ موقع وكشف الملعب واتخاذ القرار بالتمرير أو التسديد بحسب الوضع. دماغه يكشف الملعب بسرعة كبيرة وهو يمرر دائماً إلى مساحة خالية فعالة تسمح لريال مدريد أن يبقى متحكماً بنسق اللعب. مساحة لم يلاحظها أكثر من ثمانين ألف متفرج في الملعب والملايين خارجه وكرة الهدف لفينيسيوس ليست المثال الوحيدة لكنه الأوضح .
توني كروس (Getty Images)
من يستحق التنويه له هو الحكم . فعلى التلفاز نكتفي جميعاً بتصيد أخطائه وشتمه وجعله في كثير من الحالات شماعة للخسارات. لكن حجم الضغط الذي يتعرض له خلال اللقاء هائل جداً . فبالإضافة لـ 22 لاعباً على أرضية الملعب هناك الجمهور بأكمله الذي يصفر ويتحمس ويشتم مع كل حركة غير مرغوبة. كأناس عاديين إذا ألح شخص واحد على رأسنا ونحن نعمل فإننا نرتبك ، فما بالكم بثمانين ألفاً غير مشاهدي التلفاز الذين يعرف الحكم انهم بالملايين وهم يتابعونه.
حكم اللقاء أنطونيو ماتيو (Getty Images )
أهمية الحضور على الطبيعة أو من المدرجات أنها تعرضك لمشاعر مختلفة عن الحضور على شاشة التلفاز . مشاعر تجعلك تفهم أهمية الكلاسيكو لمدينتي مدريد وبرشلونة بشكل كبير وتسمح باستيعاب تعلق الناس بكرة القدم ، لانها في الحقيقة جزء من هويتهم الثقافة والنفسية. كما أنها تجعلنا نفهم بشكل أكبر (في حال كان مكان الجلوس جيداً طبعاً ) المباراة بشكل أفضل فنياً وتكتيكياً …حضور واحد للكلاسيكو من أرضية الملعب يجبرك على تغيير الكثيرمن مفاهيمك عن كرة القدم وكيفية متابعتها.
قناة سبورت 360عربية على يوتيوب
